إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

32 ـ أبو الطيب المتنبي (303 ـ 354هـ = 915 ـ 965م)

أحمد بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أبو الطيب المتنبي. سيد شعراء القرن الرابع الهجري بلا منازع، ينتهي نسبه إلى كهلان من اليمن، وهي قبيلة عربية ذات فصاحة ولَسَنٌ. ولد بالكوفة في محلة تسمى (كندة) وإليها نسبته. ونشأ بالشام، وكان أبوه سقاء بالكوفة، يعرف بعيدان السقاء للدلالة علي مهنته. تنقل المتنبي في البادية يطلب الأدب واللغة والأخبار. وقيل إنه لقب بالمتنبي لادعائه النبوة، في بادية السّماوة ـ بين الكوفة والشام ـ فتبعه كثيرون. وقبل أن يستفحل أمره، خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد ـ فأسره وسجنه حتى تاب، ورجع عن دعواه. ومن أبـرز صفـات المتنبي التي انعكـس أثرها على أخلاقه، طموحه الذي لا تحده حدود، طموحٌ جعله لا يدري ما يريد من الأيام، تارة يأمل في مجهول لا يستطيع له تحديداً، وأخري يطمح في ولاية يدير أمرها فيكون له عز وجاه وسلطان. لذلك شقي المتنبي بطموحه كثيراً. اتُهم بالبخل، وكان يدافع عن هذه الدعوى، بأنه صاحب فلسفة تنبع من معاناة حقيقية أدرك خلالها قيمة المال، وأثره البالغ في الحياة. وُصف المتنبي بأنه رجلٌ ملء العين، تام الخلقة، لا يخلو من جفاء وخشونة. وعرف بالجرأة والإقدام والبعد عن ضعف النفس وخورها. ولعل حياته الأولى في البادية كان لها أثر في صفاته وأخلاقه. وكان مبرزاً في مجال اللغة، مكثراً في نقلها، مطّلعاً على غريبها. وتأثره بالفلسفة ظاهر في شعره. وكان لرحلاته أثر بالغ على شعره وشخصيته معاً، ومعرفته بجغرافية الأماكن التي حلّ بها. ويعكس شعره شدة تأثره بالقرآن الكريم.

بدأ المتنبي حياته الشعرية بالمدح، وأحصى الدارسون في ديوانه 112 قصيدة مدح، عدا المقطوعات. فقد مدح كثيراً من الأمراء، ولقي عندهم حظوة، أمثال سيف الدولة الحمداني أمير حلب، وكافور الأخشيدي في مصر، وابن العميد وعضد الدولة بن بويه الديلمي وغيرهم. وهجاء المتنبي قليل لا يتعدى مائتي بيت، وأغلبه مقطوعات، وأطول هجائه قصيدة في كافور، وأخرى في إسحاق بن كروس، وهو لا يهجو إلا إذا أُوذي. ولم يخص المتنبي الغزل بقصائد مفردة، وإنما تناوله في مطالع قصائده، واشتهر عنه حبه للأعرابيات لأنه تنقل في القبائل وعايش الأعرابيات، فرأى الجمال الطبيعي.

وكان المتنبي معجباً بنفسه وبشعره، كما أن شعره يمثل عصره أصدق تمثيل، بما فيه من قلاقل وثورات ومذاهب وآراء؛ فقصائده سجل تاريخي حافل وصادق لعصره، كما أنها صورة لحياته المضطربة. وأخذ على المتنبي بعض الإبهام في المعاني، والتكلف في التعبير عن الصورة، وقليل من الشذوذ اللغوي، ومع ذلك فإن شعره في معانيه وأسلوبه ارتفع بصاحبه إلي أكبر شاعر عرفته العربية.

له ديوان شعر مطبوع، وقد تبارى الكتاب، قديماً وحديثاً، في الكتابة عن المتنبي وشرح ديوانه.

مات مقتولاً بالنعمانية، بالقرب من دير العاقول (في الجانب الغربي من سواد بغداد).

من أبياته السائرة قوله

إذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

وقوله:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيـلام

وقوله:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

تجرى الرياح بما لا تشتهي السفن